صباح باكر من احدى ايام الربيع
الأولى, حين لا تزال برودة الرياح تتحدى الشمس التي تستجمع قواها, باحثتا عن ثغرات
صغيرة بين السحب البيضاء لتبعث من خلالها شعاعها... لا تزال شوارع وسط المدينة
ساكنة, حتى الطيور توقظ بعضها بصوت رقيق منخفض.
داخل احد الأحياء القديمة التي لا ترى الأرض فيها من الزحام فى اوقات الذروة, يمكنك بالكاد رؤية ثلاثة اشخاص, عامل نظافة يعمل في صمت, يلتقط اخر الأوراق و الأكياس استعدادا للرحيل .... موزع جرائد يرمى تلك اللفافات ببراعة داخل الشرفات اثناء قيادته دراجته ... ورجل يرتدي قميص كتاني مريح يترجل على مهل باحثا عن مقهى ليحتسي قهوته الصباحية قبل صخب الزحام, ينظر الى الأرض النظيفة و جدران الحارة الحجرية بأعجاب.
معظم المحال مغلقة, عدا متجر للتحف القديمة ينظف صاحبة المسن الواجه بمنفضة من الريش...
و مشتل صغير يسقي فيه صبي النباتات برذاذ يتطاير مع الهواء, بالخارج هناك قصرية خزفية كبيرة من نبات الأبتينيا (نبات متسلق يعرف بالصبار الأسرائيلي ). و فتــ... فتاة ؟ ابتينيا ؟؟؟ .... اخذت بضع خطوات الى الخلف سريعا, محاولا عدم اصدار اى صوت... تخبأت في زقاق واسندت رأسي الى الحائط و حاولت السيطرة على خفقان قلبي... اهذا ما يحدث في الأزمة القلبية ؟ ...
ملت برأسي بهدوء الى الخارج, " لن تراني, انا بالكاد اراها ! "
ظهرها, يمكنني ان اميزها بين مليون فتاة, حتى من ظهرها فقط...
من غيرها يجلس و يتأمل النباتات لساعات بسكينة و سرور...
اتذكر حين قالت قبل سنوات:
" يمكنني ان اتأمل الأبتينيا للأيام متواصلة... مع كل لحظة تمر ارى تفصيل مذهل جديد, تعقيدها ... ترابطها ... و عشوائيتها ... و تلك الزهور الصغيرة ... تشعرني بــ ... كــ ... اه ... لا تسعفني الكلمات ... "
واتذكر بالحرف الواحد ما اردت ان اقول حينها:
" نعم, انا اعلم هذا الشعور جيدا, فأنا ايضا يمكنني التأمل لأيام متواصلة بكل سرور...
فيكي ! و في تفاصيلك ..... تكفيني عيناك...اه .... كل مرة اراكي تذهلني عيناك كأنها اول مرة...
وعندما احاول الوصف, انا ايضا لا تسعفني الكلمات .... "
لكني لم افعل.
تذكرت كل لقاء كأنة ليلة امس.
وتلك الليالي الساهرة, التي نذهب في نهايتها الى التل الصغير, نجلس على صخرتنا المفضلة منتظرين بزوخ الفجر ... في الحقيقة لم اكترث في اي ليلة للفجر...
من يمكنه التركيز على الشمس و انت بجانبه ؟
من يمكنه رؤية اي جمال في الكون بعد جمال الملكة ؟
من يستمتع بنسيم الضحى بعد ان يسحره عبير شعرك ؟
في الحقيقة كنت انتظر تلك اللحظات بفارغ الصبر... عندما بالكاد تبدأ ظلمة السماء بالتحول الى اللون الفيروزي فى اسفل الأفق ... و تحول بعض الأشرطة البرتقالية الخافتة شق طريقها الى اعلى السماء ... ثم يظهر الطرف العلوي لقرص الشمس, بلون احمر فاتح, كلون شفتاكي....
كنت انتظر تلك اللحظة المهمة, لأختلس النظر, واشاهد الشروق ... شروق ابتسامتك...
تذكرت ايضا كوب الماء الذي سقيتني اياه بيدك, حين كنت اقطع فاكهة الفطور...
لم يروى شئ ظمئي من بعدها, لم تعد المياه مياه.
وتذكرت النبتة الصغيرة التي اخترتها بين المئات, بعد ساعات من البحث بين الشتلات, فتلك ازهارها باهته, وتلك اوراقها ذابلة, و تلك شديدة البساطة... حتى ظن الرجل يومها اني معتوه ... لم اعطيها لكي, ولم تعرفي اي شئ عنها.
لكني اسقيها كل صباح, وانظف اوراقها بلطف, حتى انها غطت سور الشرفة و تسلقت الجدران و تدلت من السقف وتضاعفت ازهارها بالمئات....
كم كنت اتمنى كل يوم ان اراك صدفة, وها انت امامي ... ااذهب اليك و القي التحية ؟ ام امر امامك وارى ان كنت ستلاحظين ؟ ... يبدو الحل الأمثل ان اتقمص دور زبون يريد شراء قصرية, و اتفاجئ حين اراك ....
لكن لماذا ؟ لماذا ادخل في حياتك مره اخرى ؟ لم اكن يوما ما تبحثين عنه...
انا لا استحقك حتى, بالتأكيد هناك من سيسعدك اكثر مني...
لن استسلم لأنانيتي واقيدك بي... انت اثمن جوهرة في الكون و تستحقين افضل من ذللك.
ام انك وجدتيه خيرا ؟
هل اخذك الى جبال الألب وحقق حلم حياتك ؟
هل يعلم كم تحبين الرمان ؟
هل يبحث لكي عن شواطئ بكر لتجدين فيها الكثير من القواقع والأصداف ؟
مهما كان ... حتما سيكون افضل مني ... اتمنى لك السعادة, و الكثير من الرمان...
اخذت نظرة اخيرة على ظهرها, اخذت نفس طويل عميق محاولها التقاط حتى بضع ذرات من عطرها الفردوسي ... ولم يصل شئ من هذه المسافه.
استدرت بهدوء, ورحلت.... عائدا من حيث اتيت ... سقطت من عيناي بعض الدموع ببطئ, بعضها يحكي قصة مراره شوق و شجن... و البعض الأخر يحكي شعور بالفخر لأني اخذت القرار الصحيح... تنهدت متمتما مقطع من مقاطعي المفضلة التي كنت قد نسيتها...
" إشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني أن لا أشتاق
علِّمني كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق
علِّمني كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق
علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق... "
داخل احد الأحياء القديمة التي لا ترى الأرض فيها من الزحام فى اوقات الذروة, يمكنك بالكاد رؤية ثلاثة اشخاص, عامل نظافة يعمل في صمت, يلتقط اخر الأوراق و الأكياس استعدادا للرحيل .... موزع جرائد يرمى تلك اللفافات ببراعة داخل الشرفات اثناء قيادته دراجته ... ورجل يرتدي قميص كتاني مريح يترجل على مهل باحثا عن مقهى ليحتسي قهوته الصباحية قبل صخب الزحام, ينظر الى الأرض النظيفة و جدران الحارة الحجرية بأعجاب.
معظم المحال مغلقة, عدا متجر للتحف القديمة ينظف صاحبة المسن الواجه بمنفضة من الريش...
و مشتل صغير يسقي فيه صبي النباتات برذاذ يتطاير مع الهواء, بالخارج هناك قصرية خزفية كبيرة من نبات الأبتينيا (نبات متسلق يعرف بالصبار الأسرائيلي ). و فتــ... فتاة ؟ ابتينيا ؟؟؟ .... اخذت بضع خطوات الى الخلف سريعا, محاولا عدم اصدار اى صوت... تخبأت في زقاق واسندت رأسي الى الحائط و حاولت السيطرة على خفقان قلبي... اهذا ما يحدث في الأزمة القلبية ؟ ...
ملت برأسي بهدوء الى الخارج, " لن تراني, انا بالكاد اراها ! "
ظهرها, يمكنني ان اميزها بين مليون فتاة, حتى من ظهرها فقط...
من غيرها يجلس و يتأمل النباتات لساعات بسكينة و سرور...
اتذكر حين قالت قبل سنوات:
" يمكنني ان اتأمل الأبتينيا للأيام متواصلة... مع كل لحظة تمر ارى تفصيل مذهل جديد, تعقيدها ... ترابطها ... و عشوائيتها ... و تلك الزهور الصغيرة ... تشعرني بــ ... كــ ... اه ... لا تسعفني الكلمات ... "
واتذكر بالحرف الواحد ما اردت ان اقول حينها:
" نعم, انا اعلم هذا الشعور جيدا, فأنا ايضا يمكنني التأمل لأيام متواصلة بكل سرور...
فيكي ! و في تفاصيلك ..... تكفيني عيناك...اه .... كل مرة اراكي تذهلني عيناك كأنها اول مرة...
وعندما احاول الوصف, انا ايضا لا تسعفني الكلمات .... "
لكني لم افعل.
تذكرت كل لقاء كأنة ليلة امس.
وتلك الليالي الساهرة, التي نذهب في نهايتها الى التل الصغير, نجلس على صخرتنا المفضلة منتظرين بزوخ الفجر ... في الحقيقة لم اكترث في اي ليلة للفجر...
من يمكنه التركيز على الشمس و انت بجانبه ؟
من يمكنه رؤية اي جمال في الكون بعد جمال الملكة ؟
من يستمتع بنسيم الضحى بعد ان يسحره عبير شعرك ؟
في الحقيقة كنت انتظر تلك اللحظات بفارغ الصبر... عندما بالكاد تبدأ ظلمة السماء بالتحول الى اللون الفيروزي فى اسفل الأفق ... و تحول بعض الأشرطة البرتقالية الخافتة شق طريقها الى اعلى السماء ... ثم يظهر الطرف العلوي لقرص الشمس, بلون احمر فاتح, كلون شفتاكي....
كنت انتظر تلك اللحظة المهمة, لأختلس النظر, واشاهد الشروق ... شروق ابتسامتك...
تذكرت ايضا كوب الماء الذي سقيتني اياه بيدك, حين كنت اقطع فاكهة الفطور...
لم يروى شئ ظمئي من بعدها, لم تعد المياه مياه.
وتذكرت النبتة الصغيرة التي اخترتها بين المئات, بعد ساعات من البحث بين الشتلات, فتلك ازهارها باهته, وتلك اوراقها ذابلة, و تلك شديدة البساطة... حتى ظن الرجل يومها اني معتوه ... لم اعطيها لكي, ولم تعرفي اي شئ عنها.
لكني اسقيها كل صباح, وانظف اوراقها بلطف, حتى انها غطت سور الشرفة و تسلقت الجدران و تدلت من السقف وتضاعفت ازهارها بالمئات....
كم كنت اتمنى كل يوم ان اراك صدفة, وها انت امامي ... ااذهب اليك و القي التحية ؟ ام امر امامك وارى ان كنت ستلاحظين ؟ ... يبدو الحل الأمثل ان اتقمص دور زبون يريد شراء قصرية, و اتفاجئ حين اراك ....
لكن لماذا ؟ لماذا ادخل في حياتك مره اخرى ؟ لم اكن يوما ما تبحثين عنه...
انا لا استحقك حتى, بالتأكيد هناك من سيسعدك اكثر مني...
لن استسلم لأنانيتي واقيدك بي... انت اثمن جوهرة في الكون و تستحقين افضل من ذللك.
ام انك وجدتيه خيرا ؟
هل اخذك الى جبال الألب وحقق حلم حياتك ؟
هل يعلم كم تحبين الرمان ؟
هل يبحث لكي عن شواطئ بكر لتجدين فيها الكثير من القواقع والأصداف ؟
مهما كان ... حتما سيكون افضل مني ... اتمنى لك السعادة, و الكثير من الرمان...
اخذت نظرة اخيرة على ظهرها, اخذت نفس طويل عميق محاولها التقاط حتى بضع ذرات من عطرها الفردوسي ... ولم يصل شئ من هذه المسافه.
استدرت بهدوء, ورحلت.... عائدا من حيث اتيت ... سقطت من عيناي بعض الدموع ببطئ, بعضها يحكي قصة مراره شوق و شجن... و البعض الأخر يحكي شعور بالفخر لأني اخذت القرار الصحيح... تنهدت متمتما مقطع من مقاطعي المفضلة التي كنت قد نسيتها...
" إشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني أن لا أشتاق
علِّمني كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق
علِّمني كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق
علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق... "