انا انتهى من العمل فى مكتبي بعد الظهر ... ثم اذهب الى
بيتي الكامن فى ريف السويد الهادئ حيث المروج الخضراء يزينها اشجار الصنوبر تظلل
مجموعات من الزهر البرية التي تمتزج رائحتها برائحة الطين الرطب من امطار الأمس
فتفوح رائحة عدنية ارضية لتنعش وجدانك ... تلعب الطيور سمفونية الغروب عائدتا الى
اشجارها فى الغابة الواقعة فى الأفق القريب ...استمع برذاذ المياه الساخنة يدفئ
خلايا جسدي البرادة, ثم اذهب لأعداد العشاء سريعا قبل وصول حبيبتي.
نأكل عشائنا فى الهواء الطلق فنبدأ بحساء الجزر ليفئ
ابداننا ثم قطعة من اللحم المشوي و الهليون الطازج بجانب فطر الشانتريل المحمص
الذى التقطناه من حديقتنا الصغيرة ... و نحلى ب طبق من التوت البرى بمختلف الوانة و
اشكاله و نتجه الى الفناء الخلفي حيث ينتظرنا تيليسكوبى المتواضع, نتأمل بروعة
سماء الليل الصافية ونعيد تسمية النجوم الأسدمة بما يلحو لنا من اسماء.
احياننا يصيبنا الملل, فنترجل الى الحانة القريبة حيث
يمنعون التدخين, فنسترخى مع جيراننا من اهالي بلدتنا الصغيرة مستمعين الى اعذب
الحان الكمان و احن اصوات الناى مع كأس من النبيذ الوردي الفخم .... وحياننا اخرى
نقدى عطلة نهاية الأسبوع فى المدينة, ونسهر فى نادى ليلى, فقليلا من الصخب لازم
ليوازن هدوئ حياتنا.
و فى الأيام المشمسة, نستأجر قارب من الميناء, ونبحر على
ضفاف بحر البلطيق لنستجم بحمام شمسي طويل, ففى هذه البلد قد تشتاق لقرص الشمس
لأسابيع متتالية ... و ليلا يجتمع نسيم البحر و ضوء القمر الخافت ليزيد من سحر و
رومانسية ليلتنا على القارب.
هذا ان كنت تسأل عن حالي فى احلامي, اما فى الواقع فلقد
انتهيت من عملي للتو, واترجل الى اقرب بائع خضروات, استمع فى الطريق الى سمفونية
عشوائية متناغمة بين ابواق المركبات و شخير المتشاجرين فى وسط منظر خلاب من اكوام
القمامة, قد ضمرت رئتاي من عوادم السيارات بل اظن اننى اشعر بالرصاص يجرى فى عروقي
واتذوق طعم الهباب فى فمى, وصلت اخيرا للمتجر و ها هى تبدئ رحلة البعث عن بضع حبات
صالحة للأكل فى وسط جبال من الخضار الذى يبدو انة طبخ سابقا, ليس له رائحة غير
رائحة مبيد الحشرات ومياه المجاري الذى سقته.
ركبت سيارتي لأتجه الى منزلي البعيد نسبيا عن وسط
المدينة, لمحت صورة لى ولها داخل محفظتي فذهبت بها الى اقرب صندوق قمامة, فبعد
علاقة دامت ثلاث سنوات اتصلت بى و قالت بكل اسى " ابن عمى فرش الشقة خلاص, و
ابويا مش هيرضى بغيرة, بس هتوشحنى يا حبيبى والله .... " .
وصلت الى المنزل فى خلال ساعة واردت حينها ان اعقد جلسة
ذكر و شكر صوفية بالطبول والزمور شكرا الله على هذه النعمة, بالرغم من ان الطريق
لا يستغرق اكثر من ربع ساعة, من يصل بيته فى وقت الذروة فى خلال ساعة فى هذا البلد
الكريم يستحق تمثال فى اكبر ميادين العاصمة.
دخلت بيتي مرهقا وحيدا, اعتصر قلبي مجددا عن تذكري
" أودين " كلبى و صديقي الذى كان يهرع الى بمجرد سماع صوت ركني للسيارة,
واتذكر اخر مرة رأيته مستلقيا فى الحديقة نافقا جراء تسمم.... واكتشفت فيما بعد ان
الفاعل جارى فى العقار, ذلك الرجل الذى طلب منى الإستغناء عن أودين لأنة يمنع
الملائكة من دخول المنطقة, وهو يريد العقار خالي من " النجاسة " ... و
عندما سألته فيما بعد كيف استطاع ان يقتل حيوان اليف قال ضاحكا " المفروض
تشكرني, ريحتك من همه و مصاريفه ... ".
احضر الطعام لأكل بما تبقى لي من شهية, ثم اقرر البقاء
فى المنزل فى عطلة نهاية الأسبوع للمرة الثالثة على التوالي.
فى المساء, بدت السماء شفافة صافية, ولقد اشتقت الى
الأستلقاء لساعات تحت عتمة الليل وانا اشاهد ماسات الفضاء المتلألئة حتى اغفو
حالما, لكنى تذكرت هذا اليوم المشئوم الذى تحاذقت فيه و صعدت و تليسكوبي الى سطح
العقار, وبعد نصف ساعة من العيش فى كون ثاني, طلب لي احدهم الشرطة مدعيا انى اتجسس
على " الحريم " و انتهك حرمات المنازل, وظن امين الشرطة انى "
استغفلة " عندما قلت له انى احب الفلك وكنت اشاهد الأجرام السماوية لا غير
....فقام بمصادرة التيليسكوب وتحرير محضر وخرجت من القسم بعد قضائي الليل هناك.
قررت الذهاب الى ملجئي الوحيد و هو مكتبتي الصغيرة, اخذت
كتاب وبدأت القراءة محاولا نسيان مأساة صباح الغد .... صراع دموي فى حلبات المكاتب
الحكومية للفوز بختم تأجيل الخدمة
العسكرية.
وعند اول غفوتي استيقظ فزعا على صوت صياح ذكر جاموس برى
فى موسم التزاوج على ابنة لينزل له بمحفظته....