*تنويه:
تمت كتابة هذا التقييم بعد قراءتي للرواية باللغة الإنجليزية, بالتالي كل
الإقتباسات المذكورة في هذا المقال هي من ترجمتي الخاصة.
كان ولا يزال الكاتب و الفيلسوف الروسي فيودور دوستويفيسكي من اهم كتاب الروايات في العالم و على مدار التاريخ.
و لعل من ابرز اعماله الكلاسيكية " الجريمة و العقاب " و " الأخوة كرامازوف " و " الغبي ".
لكني بدأت بتصفح كتاباته في عمل قصير, رواية " رسائل من تحت الأرض ".
كان ولا يزال الكاتب و الفيلسوف الروسي فيودور دوستويفيسكي من اهم كتاب الروايات في العالم و على مدار التاريخ.
و لعل من ابرز اعماله الكلاسيكية " الجريمة و العقاب " و " الأخوة كرامازوف " و " الغبي ".
لكني بدأت بتصفح كتاباته في عمل قصير, رواية " رسائل من تحت الأرض ".
*ملحوظة: العمل في الأصل كتب بالغة الروسية بعنوان ترجم بالإنجليزية الي Notes from the underground لكن بعض الترجمات العربية و لغات اخرى, اختارت لسبب ما ان تعنونة ب " الرجل الفأر " او " الرجل الصرصار ".
وهو الاسم ( و الصفة ) الذي اطلقه على نفسة بطل الرواية الذي لم يذكر اسمه.
لكني افضل عنوان الرواية " رسائل من تحت الأرض " , لأن " الرجل الصرصار " يعطي انطباع ان الرواية تدور حول بطل خارق مقزز نوعا ما, وهو انطبع يحمل الكثير من الحقيقة عن القصة, لكن على اي حال....
الكتاب ينقسم الي جزئان اساسيان, الجزء الأول و عنوانه " تحت الأرض ". في حوالي ثلث صفحات الكتاب يقدم بطل القصة " الرجل الفأر " نفسة, و يعرض نظرته الخاصة عن الحياة, و يعبر فيه عن فلسفته بشأن الكثير من القضايا الوجودية مثل حرية الإنسان في الحاضر و المستقبل.
قد يبدو لك ( مثلما بدى لي للوهله الأولى ) ان الجزء الأول جزء ممل جدا, ربما ايضا لن تفهم شئ منة سوى بعض الجمل في اول قراءة, فتضر الى اعادة قراءته مرة اخرى مثلما فعلت انا.
ستتذمر قائلا " ان اردت قراءة افكار فلسفية وجودية لفتحت كتاب فلسلفة لنيتشه او سارتر ! لماذا اقرأ رواية ؟! "
لكن في الحقيقة بفضل الجزء الأول من الكتاب ستفهم الغاية من تصرفات الفأر لاحقا عندما تبدأ الأحداث.
بلأضافه الى ان بعض الأفكار الواردة في هذا الجزء ستصيبك ب ‘ كوكتيل ‘ من المشاعر, تجاه نفسك و الأخرين و البشرية و الوجود كلة.
سأذكر هنا اكثر فكرة استوقفتني, ربما لأنها اكثر الأفكار المألوفه بالنسبة لي, و سأدعكم تنبشون عن باقي الأفكار المهمة عندما تقرأوا الكتاب.
" اقسم لكم يا سادة, ان الوعي المفرط هو مرض مزمن, مرض مرهق و خطير لإنسان الذي يحمله, خصيصا للقيام بحاجاته و اعماله اليومية. امتلاك مستوى وعي عادي و طبيعي اكثر من كافي لأي انسان. "
يقدم هنا بطل الكتاب واحدة من اكثر المحاججات غرابة و واقعية في ان واحد. لأننا نظن دائما ان الوعي من اهم عطايا الحياة, و ان امتلاك وعي فوق المستوى الطبيعي ( سواء بالفطرة او بالخبرة ) يعتبر كنز لا يقدر بثمن.
لكن رجل الجحر هنا يحاجج العكس تماما, ويعتبر الوعي حمل ثقيل على حاملة, الذي سيفكر بكل جانب من جوانب اي سؤال يطرحهه على نفسة, و يدرس كل احتمال من احتمالات سلوك اي طريق في مفترق الطرق, و يدقق في ادق التفاصيل في كل ما يراه و يسمعه و يقوله. فتكبله قيود التحليل المفرط و يصاب بالشلل التام.
بل يتمادى الرجل في الفكرة قائلا " لطالما كنت الأكثر ذكاء بين من حولي, و لطالما ايضا شعرت بالعار لذلك ".
يحاجج الفأر ايضا ان اي شخص ناجح هو بالضرورة شخص محدود الوعي, او ذا مستوى وعى عادي و متوسط, لأن النجاح يتطلب اخذ مواقف,و اختيار طرق, وهو الذي لن يجد الشخص محدود الوعي صعوبة في فعلة, اما صاحب الوعي المفرط, سيدفن على قيد الحياة تحت تحليلاته و حساباته, و يمسي " تحت الأرض ".
*ملحوظة: يرجى التنبه بعدم وقوع في خطأ رياضي منطقي هنا, محاججة الرجل هي ان اي شخص ناجح هو بالضرورة شخص محدود الوعي. هذا لا يعني اطلاقا ان اي شخص محدود الوعي هو بالضرورة شخص ناجح.
اقتباس من حصة الجبر: ان كانت كل X هي Y هذا لا يعني ان كل Y هي X.
اما عن رأيي بخصوص الوعي المفرط, ففالحقيقة اتفق تماما مع رجل الجحر في هذه النقطة, حتما امتلاك وعي فوق المستوى الطبيعي يزيد الحياة و العيش تعقيدا.
من مننا لا يحن لأيام الطفولة قبل ان نكبر و يكبر وعينا معنا, كانت تلك السنوات الأكثر بساطة في حياتنا كلنا, و لعلنا لا نشتاق للزمن نفسة او الأحداث نفسها, لكن نشتاق لنسختنا في الطفولة, النسخة الأقل وعي و الأكثر برائه.
الجزء الثاني بعنوان " الثلج الرطب "
, و يسرد فيه الرجل بعض الأحداث من مذكراته, و يكمل كل حدث جزء من الأحجية التي لا
تفهم حتى بعد اكتمالها, لأن الرجل نفسة يعتبر حالة تناقد تام.
يتفاخر بذكائه ووعية و ثقافته, لكنة يكره لنفسة لذالك.
ينعت جميع من حوله بالغباء, لكنة لا ينفك يحسدهم على غبائهم.
يعشق الوحده, لكنة يتطوق للدخول في علاقات اجتماعية قوية.
يعلم ان المستوى المادي و المناصب الإجتماعية بذاتها لا تعطي اي قيمة حقيقة للانسان, لكنه يكره فقرة و منزلة و عملة الحكومي و حتى ملبسة المتهالك.
يرى ان الحياة افضل بكثير في الكتب, لكنة يكره الجلوس في " جحره " مع كتبه و افكارة و تخيلاته.
بالإضافة الى العديد من التناقضات الأخرى.
اما عن الأحداث و المواقف, قد يبدو لكم ان من السخافة اني لا اريد ان " احرق " احداث قصة عمرها 150 سنة, لكن هذا حقيقي, و يجب ان اؤكد ان الأحداث ليست شيقة للغاية, لكني لازلت افضل ان تكتشفوها بنفسكم. لهذا سأكتفي بذكر بعض المواقف التي توضح شخصية رجل الجحر و تظهر مشاكلة الداخلية و امراضه النفسية.
يتفاخر بذكائه ووعية و ثقافته, لكنة يكره لنفسة لذالك.
ينعت جميع من حوله بالغباء, لكنة لا ينفك يحسدهم على غبائهم.
يعشق الوحده, لكنة يتطوق للدخول في علاقات اجتماعية قوية.
يعلم ان المستوى المادي و المناصب الإجتماعية بذاتها لا تعطي اي قيمة حقيقة للانسان, لكنه يكره فقرة و منزلة و عملة الحكومي و حتى ملبسة المتهالك.
يرى ان الحياة افضل بكثير في الكتب, لكنة يكره الجلوس في " جحره " مع كتبه و افكارة و تخيلاته.
بالإضافة الى العديد من التناقضات الأخرى.
اما عن الأحداث و المواقف, قد يبدو لكم ان من السخافة اني لا اريد ان " احرق " احداث قصة عمرها 150 سنة, لكن هذا حقيقي, و يجب ان اؤكد ان الأحداث ليست شيقة للغاية, لكني لازلت افضل ان تكتشفوها بنفسكم. لهذا سأكتفي بذكر بعض المواقف التي توضح شخصية رجل الجحر و تظهر مشاكلة الداخلية و امراضه النفسية.
مثلا في احدى فترات رغبته تكوين علاقات اجتماعية زار رجل الجحر احد اصدقاء المدرسة القدامى, فوجد عنده مجموعة اخرى من الرجال الذين ارتادوا نفس المدرسة, وجدهم كلهم يخططون للإقامة حفل توديع لضابط بالجيش ( هو الأخر كان رفيقهم في المدرسة ). و ذكر رجل الجحر كم كان – و مازال - يكره هذا الصبي لأنة كان في مشهور و اجتماعي و يحيط به كل الفتيان و الفتيات لنيل رضاه.
فقرر قائلا لنفسه " سأذهب و ابرهن لهم كم هم اغبياء و حقيرون, و سأجعلهم يتوسلون ليصبحوا اصدقائي ", و دفع رجل الجحر اكثر من نصف راتبه الشهري لأنضمام الى الحفلة في الفندق الفخم, فقط لإفساد حفل لأشخاص لم يراهم منذ 8 سنوات و " افحام " ضابط الجيش المتعجرف !
وفي موقف اخر, بعد ان امضى ليلة مع فتاة ليل, بدأ في استدراكها للتحدث عن امور شخصية, ثم بدأ يخطب لها خطبة طويلة عن مدى حقارتها و حقارة الذي تفعله: " ان كنت رأيتك في الخارج في اي مكان اخر, كنت سأقع في حبك, ربما كنت سأركع تحت قدميك لنيل رضاك; اما هنا الان لقد امضيت معك بضع ساعات لأني كنت ثمل لا اكثر, صباحا سأندم ليس على فعلي الرذيلة, لكن على فعلها مع فتاة تمتع احقر الرجال لتكسب قوت يومها "
و اضاف لاحقا في الخطاب الطويل: " سمعت انهم يسمحون لك ( اصحاب المنزل ) ان تكوني في علاقة مع حبيب, و ان يزوك هنا مادام ليس لديك عمل. اتعلمين, ماذا سيفعل حبيبك – هذا ان كان هناك رجل عديم الشرف و عقل لدرجة ان يحبك – ان طلبتي منه ان تتزوجيه ؟ في احسن الأحوال سينفجر ضاحكا, ثم يبصق في وجهك و يرحل طالبا من صاحبة المنزل استرداد ماله "
جعل رجل الجحر المقزز الفتاة المسكينة بخطابة الطويل في حالة هيستيريه تامة, تصرخ و تضرب و تعض نفسها حتى النزيف ! قائلا لنفسة بكل برود " انا كنت اختبر مهراتي في القاء الخطابات, و بالصراحة تلذذت في رؤية تفاصيل وجهها اثناء كلامي, كان واضح انها تتعذب في الداخل... ".
و هناك العديد من المواقف الأخرى التي ستصيبك بالذهول لأن هناك شخص – ولو كان حقيرا مرضيا – مستعد ان يبذل كل هذا الجهد لإذلال نفسة و من حوله, بالرغم من انة يعلم تماما مدى حقارة ما يفعل.
لكن ( وهنا تكمن عبقرية الرواية ) بالرغم من حقارة الرجل, و كونه بئر يفيض بالحقد و المرض و الكراهية تجاه نفسه و جميع البشر, لن تتمكن من اتخاذ موقف واضح من رجل الجحر.
ستكرهه تاره, و تتعاطف معه تاره ... احيانا سيفاجئك وجود شخص يحمل هذا الكم من الحقد تجاه كل الناس, واحيانا اخرى ستجد نفسك فيه و تجده يعبر عن مشاعر بداخلك لم تقدر ان تعبر عنها.
اخيرا, الرواية بالفعل تستحق القراءة, و انصح ( كما ذكرت سابقا ) ان يتم قرائتها اكثر من مرة, لأني متأكد من ان في كل مرة تقرأ الرواية فيها, سترى اشياء جديدة, و تشعر بمشاعر جديدة, و تستنتج افكار جديدة.