2015-09-18

الباحث في الداخل. ( الجزء الثاني )


الجزء الثاني: الحل السحري


وجد الحل عند التأمل في يومياته...

في المدرسة ( في المرحلة الإبتدائية ) كان يجلس مع مجموعة الأولاد " الأشقياء " ... احيانا يضايقون بعض الفتيات و بعض متفوقين الفصل, واحيانا يعلبون الكرة بصفيحة معدنية ... كانت المجموعة الأحب له, لكنة كان اقل انسجام.
عندما كان يصيبه الملل كان يدعي الذهاب الى الحمام... ويتمشى في الفناء, ينظر الى المدرسون في وقت راحتهم, فيراهم يأكلون بنهم, يمزحون بطريقة خرقاء, وينمون علي بعض اولياء الأمور و المديرين, فيتعجب:ه
" يبدون اشخاص عاديين مثلنا, بل اكثر بلاهة... لماذا علينا ان نصدق كل ما يقولون في الحصص ؟ "
يتأمل ما شعور شباب الثانوية الذين تبقى لهم سنة بالكثير لترك المدرسة, ويعيش قصص حب خيالية مع فتيات يكبرنه سنا ب خمس او ست سنوات, ثم يفيق ويتمنى بحسرة:
" ليت بنات فصلنا فقط بنصف جمالهن و انوثتهن,يتمخطرن على مهل برزانة فتكاد تذوب الأرض من الرقة, يضحكن بصوت مرهف شهي , ويتركن شعرهن يتدلى حتي اخر ظهرهن فتتلاحق نسائم الهواء لتاعدبه ... اما " بنات " فصلنا, يتدافعن كالمصارعين للحصول على الطعام من " الكانتين ", يجعجعن بصوت غليظ فأظنه صديقي عبدالجبار, وتضفر لهن امهاتهن ضفيرة في اول العام الدراسي تدوم لأخره.... "

اما ايام الإجازة, كان اصدقائه يزورون بعض في المنزل, او يذهبون الى النادي, يستمتعون بوقتهم سويا... يتلاكمون ويقذفون كرات الطين على المارة ثم يهربون, و في اليوم التالي يتذكرون تلك المغامرات فيضحك معهم محاولا تجنب التحدث عن ما فعله هو...

ففي الإجازة كان يبقى في المنزل, يستيقظ باكرا ليذهب الى المطبخ خلسه, يجلب حفنة من القمح و يتسحب حتى الشرفة, ينثر حبات القمح علي الأرض ثم يجلس على الكرسي بدون حراك, يتنفس بهدوء لكي لا يخيف سرب الحمام الذي ملأ الشرفة ... يشاهدهم بإبتسامة ماكرة ينقرون اخر حبات القمح فتمحى " اثار الجريمة " قبل ان يفيق احد.

او يحاول زراعة بعض بذور الفاكهة التي اكلها و ينتظرها حتى تنمو, او يصنع عصير خضروات اقوى من عصير السبانخ الشهير.
اما ليلا كان وقت التفكير في كل شئ....

- " ان كانت قارئة الفنجان التي تزورنا تعرف المستقبل فعلا, او حتى القليل منه ... لماذا تبدو اغبى من المعتاد في توقعه ؟؟ هي مطلقة و فقيرة و قبضت عليها الشرطة مرتين في منزلها !
لو اعطوني الخمسون جنية التي تأخذها " سأقرا " الفنجان تماما مثلها, او حتى افضل ! سأقول لهم ستحصلون على مبلغ مالي قريب, و من لا يحصل علي المال.
وسأقول للمراهقات ستتزوجين من رجل بشرته حنطية, كل الرجال هنا بشرتهم " حنطية " ! من الواضع اننا لسنا في جمهورية الكونغو الإستوائية !
يا لها من امرأة ذكية, او يا لهم من اغبياء... "

برغم من انة كان يمضى معظم وقته وحيدا, لم يكن يشعر بالوحدة, كان بالفعل يستمتع بما يفعل في الإجازة ... ويحب الأبحار وحدة في محيطات خيالة اكثر من مسابح النادي المزدحمة.
لكن كان لدية احساس بالغرابة, انة به خطب ما يمنعه من الإستمتاع بالأشياء " الطبيعية " كباقي اصدقائه.

اثناء استلقائه علي السرير, قبل وصول النوم بقليل ... قفزت في باله خاطره:
" بما اني الغريب, وبما ان اصدقائي اكثر سعادة و راحة مني ... لابد ان اتغير !
يبدو ان الحل النطقي الوحيد ان أصبح كأصدقائي, سأصدق ما يصدقون, واستمتع بما يستمتعون... وحتي " احب " كما يحبون, سأمنع عقلي من التفكير في كل شئ, و سأكف عن تخيل عوالم اخرى اعيش فيها وحدي. "

وكان الإنتقال الى المرحلة الإعدادية فرصة مثلى لتطبيق الحل الذي سيجعله " طبيعي " ... و من حسن الحظ انه كان سهل التطبيق, كان يندمج سريعا وسط اصدقائه, و كلما اندمج اكثر كلما زاد ثقة في حله السحري.
اصبح يمضي وقت اقل بكثير وحدة, واصبح جزء مهم من المجموعة, حتي انهم كانوا يلحون ان يمضي يوم الإجازة معهم ... اصبح اكثر اجتماعية بشكل ملحوظ, حتي انه كان على علاقة بأظرف فتيات الفصل و تطورت مهارته في الكرة فكان يلعب " اساسي " طوال حصة الألعاب.

كان سعيدا بحق, لم يكن يتصنع السعادة, كان يمرح ويضحك كثيرا, كما لم يضحك من قبل ... ربما كانت هذه الأيام فعلا اسعد ايام حياته.
وكيف لا ؟!  فقد تخلص من شقاء عقلة الذي لم يكن يتوقف عن تحليل كل شئ, وسؤال اسئلة يتهرب منها من حوله, وخلق عوالم لم و لن يكون لها وجود....
حلة السحري مكنة من الحصول على الكثير من الميزات التي لم يكن يملكها قط, اصدقاء مقربين كثيرين, فتيات يهتممن لأمره, مهارات اجتماعية جديدة, والأهم راحة بال لم يشعر بها ابدا...

كسب كل هذا, لكنة خسر شئ مهم, بل اهم شئ.



يتبع في الجزء الثالث...