2015-06-12

إعادة تأهيل

تقابلنا كأي اثنان, رأيت فيها بعضا من الرشد, المرح و الذكاء ... بعضا قادرا ان يجبرني على قبول صداقة جديدة, فقد سئمت سطحية وطفولة من حولي فقررت الإكتفاء بأصدقائي الذين لا يتعدون عدد اصابع اليد الواحدة. كانت الظروف المحيطة كافية لتقوية صداقتنا تلقائيا ولكن تدريجيا, وكأي صديقان جدد, تقرب بيننا تلك المحادثات الطويلة التي تخرج منها جملتان او ثلاث خارج اسوارنا العالية ال سميكة.

أظن اننا نتشابه فى سمات كثيرة, لعل اهمها الإنغلاق على الذات بقدر المستطاع, مما يجعل امر الصداقة يبدو مستحيلا, ولكن الغريب فلأمر ان هذه السمة قربت بيننا اكثر, ربما لأن كلانا حذر فى ابداء الإهتمام او طلبة, فى الواقع كنا خبراء فى ذلك..... بالتالي تأتى فترات تباعد قصيرة بمثابة 
عتاب ضمني, بسبب كلمة طائشة او فعل لم يعاتب احدا علية الأخر.

طوال فترة تقاربنا كانت لدى مهمة سرية, اقناعها ان اليأس من الحب اكبر مأساة تصيب المرء, وان  " مهما بلغت جروح الماضي, سيأتي من يداويها ... وينسيكي المها و مسببينها ... ". لم تكن اول مهمة من نوعها, لم تكن حتى الأصعب, لأنى لطالما شعرت بمزيج من التعاطف و الإستفزاز من اليائسين  عاطفيا, ربما لأنى اعيش طوال حياتي منتظرا حبا قد يأتي او لا ... فأرى رفضه بسبب اختيار او قرار خاطئ فى الماضي ضربا من الجنون.

اصابتني الحيرة مرات عديدة حول ان كانت مشكلتها تلاشت ام لا, ولكنى اكيد من تحسن ملحوظ, لاسيما بعد بعض كلمات الغزل منها, بعض النظرات و اللمسات التي كانت تشعرني بالامان بدون اى سبب واضح... امان لم احتجه يوما من احد ...

فى الواقع الغزل فعل متبادل, فانا اراها جميلة و مليئة بالطاقة والإمكانيات الكامنة التي اود ان نكتشفها سويا, ولكن ما يفوق هذا اهمية انها فريدة من نوعها, تفاصيلها الصغيرة التي عانيت الاكتشفها كانت فريدة بحد ذاتها, ولكن طريقة تلاحمها و تناغمها سويا كانت الأندر ... وكأي شئ فريد, كانت تحتاج عناية خاصة للمحافظة عليها, والصبر ... الكثير منه.

وها انا جالس امامها, تائه فى لمعان عيناها, اتذكر اول حديث طويل بيننا, واستيائي عند نهايته... و تلهفي للمزيد, فلطالما احببت ان اصمت و استمع اليها تتحدث وأتأمل, كلأن...
ولكن قلبى يكاد ان يخرج من مكانة, فقد قالت لي للتو انها تريد ان تعترف لي بشئ لم تعد قادرة على كتمانه او السيطرة علية ... و ها هو صوتها يزداد رقة و خدودها تتورد, كعادتها عندما تخجل ... وبدأت اخيرا قبل ان اصاب بنوبة قلبية قائلة:

" لقد كنت بجانبي طوال الفترة الماضية, تعلمت منك الكثير, و مع مرور الوقت اصبح اكثر امتنانا لكوننا بهذه القربة, بل و أحاول دائما تحسين علاقتنا والإهتمام بها, كما تهتم انت بي ... او على الأقل, كما اظن انك تفعل "
 * تبتسم ابتسامة قادرة على اخضع اكثر الرجال وحشية *
 و تستكمل
 " ...ظننت ان بامكاني العيش بمفردي لأنى غير مستعدة ان اخسر المزيد منى, هذا ان كان هناك شئ متبقى منى ... ولكن بفضل قدرتك المبهرهعلى الأقناع, والحاحك, تعلمت ان ليس كل الناس سواسية, وان ان كان هناك شئ يستحق عدد لا متناهي من المحاولات فهو الحب ... لذالك ...... لهذا ... اريد ان ابوح لك بسر, بدأت مؤخرا الشعور بمشاعر " غريبة " تجاه " شخص ما ", بدأنا كأصدقاء ولكن بحكم الظروف, واهتمامه بي بدأت  الإنجذاب اليه ... والان لا اتخيل حياتي بدونة .... كل ما اريده هو ان نكون سويا فى السراء و الضراء ... حتى ان لم تنجح علاقتنا, فلقد تعلمت منة ان الجميل و المثير فى الحياة هو محاولة الوصول للغاية, ليس الغاية بحد ذاتها ... واظن انة يبادلني نفس الشعور ...  او هكذا اتمنى ....
لقد صارحني بمشاعره ... ورغبته فى ان اكون له ... واريدك ان تشجعني على قول " موافقة ", فقد كنت دائما داعما لنسياني الماضي ... لهذا انت اول من اخبره. "

اصابني ذهول اتمنى ان تفهم ملامحه خطأ, ان تفهم على انها اعجاب بشجاعتها و قوتها و فرحتي بها ... قلت جملة تهنئة ساخرة مازحا .. ولا اتذكر حرف منها, اتمنى ان تكون بدت طبيعية .... فماذا عساى ان اقول ... من الواضح انى كنت صديقا جيدا, محلا نفسيا محترف, و خبيرا عاطفيا ممتازا ....

انا اعلم انى لم اكن احاول ان انسيها تجاربها السيئة لدافع شخصي, فلقد احببتها كما هي على اي حال ... لكنى اردتها اكثر املا و ثقة فى الحب ... و هذا لا يعنى ان لم اتمناها لي كثيرا من الأحيان ....

لقد انجزت لهو مهمة فى الأغلب  لم يكن ليقدر على انجازها ... كان سيضجر و يصرف النظر سريعا ... لكنة اتى ليجدها متفائلة و مستعدة ....

من سيصلحني انا الان ؟ من يداويني و يعطيني الأمل و يقنعني ان " الحب يستحق عدد لا متناهي من المحاولات " ... و ما مصير النظرات و اللمسات و الكلمات ؟ ... و ما كانت حقيقتهم من الأساس ؟ ... الان فقط فهمت لماذا يستطيع الطبيب تشخيص حالة وشفاء اي احد, الا نفسة.