2016-08-04

تقييم كتاب " شخصيات حية من الأغاني "

صورة للكتاب, الناشر دار الكرمة


في هذا المقال سيتم تقييم كتاب " شخصيات حية من الأغاني " للكاتب و الروائي المصري محمد 
المنسي قنديل.
لنبدأ بذكر ان الكتاب هو عبارة عن نسخة مبسطه و ملخصة من الكتاب التراثي " الأغاني " للأبي فرج الأصفهاني, لكن ما هو كتاب " الأغاني " ؟
سأتجنب ذكر قصة و سبب كتابة كتاب الأغاني, كما سأتجنب ذكر تاريخ الأصفهاني و حياته لتفادي طول المقال و الخروج عن الموضوع. لكن القصة بلإضافة الى نبذة عن الأصفهاني 
مذكورة في مقدمة كتاب " شخصيات حية من الأغاني ".
تلخيصا, الأغاني هو موسوعة ضخمة تصل عدد كتبها الي 26 كتاب, جمع فيها الأصفهاني
قصص و اغاني الشعراء و الحكام و الفرسان و الجواري من كل ارجاء المنطقة العربية و الإسلامية. واخذ يقارن بين القصص ويفندها و يذكر اقواها سندا و استغرق الأصفهاني 50 سنة كاملة للإستكمال الكتاب. لذا نجد في كتاب الأغاني اهم القصص و الأساطير الشعبية في تلك الحقبة من التاريخ العربي. و باع الأصفهاني كتابة في منتصف القرن الرابع الهجري بألف دينار, وهكذا 
بدأ الكتاب في الإنتشار.

بالطبع اختلف النقاد و المؤرخون على الكتاب كما اختلفوا على كاتبة, بعضهم رأي ان معظم ما ورد في الأغاني هو مجرد اخبار كاذبة و قصص من وحي الخيال يسردها الأصفهاني لجذب القراء, و بعضهم رأى ان الكتاب بالفعل يوثق الحياة الإجتماعية العربية في تلك الحقبة التي عاشها الأصفهاني, كطه حسين الذي ذكر ذات مرة ان ان اهم كتابين في التراث العربي و الإسلامي هم:
" تاريخ الطبري " الذي يعتبر اهم مراجع تاريخ الإسلام السياسي
و " الأغاني " الذي يعتبر ايضا اهم المراجع في وصف الحياة الإجتماعية و الأدبية العربية وا لإسلامية.
اما بنظرة اكثر منطقية, لا يجب تصديق القصص والأخبار المذكورة في كتاب الأغاني بشكل حرفي. لكن اي مطلع على التراث الجاهلي و العربي ( حتى بعد الإسلام ) سيجد ان الحياة الإجتماعية في تلك الحقبة تتلخص في اربع ممارسات,
الثأر و الجنس و الشعر و السعي للسلطة.
وهي نفس المواضيع و الممارسات التي تدور حولها القصص في كتاب الأغاني, لهذا حتى ان كانت بعض الأخبار و القصص المذكورة فيه كاذبة او من وحي خيال الأصفهاني او مصادرة, تظل تلك القصص و الأخبار في المجمل صورة من الصور المجتمع العربي في تلك الحقبة.

اما بعيدا عن مدى مصداقية الكتاب, اذا تناولنا الكتاب من قسم الكتب الخيالية في المكتبة, سنرى هدف الكتاب الحقيقي, وهو الإمتاع و الأثارة. و قد حقق الكتاب هدفه بدون اي شك. ما عليك الا ان تختار اي قصة من الكتاب بشكل عشوائي, و سيبهرك اسلوب السرد و التشبيهات و ترتيب الأحداث, و لن تترك مكانك حتى تنتهي من القصة على الأقل, ان لم يكن الكتاب بأكمله.

رجوعا الي النسخة المبسطه و هي " شخصيات حية من الأغاني ", قد اختار محمد المنسي قنديل اهم الشخصيات المذكورة في الأغاني, و بسط و لخص قصصها بشكل رائع, مع الحفاظ على عامل المتعة والأثارة, وسحر الوصف والتشبيه.
الشخصيات المذكورة في الكتاب ربما درستم اشعارها في المدرسة, او سمعتم عنها في قصص والديكم, او حتى مر عليكم اسمائها بشكل عابر. و منها:
امرؤ القيس, تأبط شرا, عروة بن الورد, الخنساء, عمر ابن ابي ربيعة, قيس ابن الملوح, الملك النعمان, الفرزدق, بشار ابن برد, عرية بنت المهدي... و المزيد.

الكتاب عبارة عن قصص قصيرة, وجودة القصص القصيرة نسبية, لذا لا يوجد الكثير لأناقشه, لكني سأذكر ما اعجبني وما لم يعجبني في الكتاب.

أ- ما اعجبني: اولا, المتعة ! القصص ممتعة لدرجة انك لا تكاد تقرأ اول سطورها حتى تغوص بداخلها وكأنها تحدث امام عينك, سحر الأوصاف يجعلك ترى الأبطال امامك, وتشعر بشمس الصحراء تشوي رأسك و رملها يجري في عروقك. يمكنك استنشاق عطر فتيات العرب, الواتي تقاتل من اجلهن السلاطين و الفرسان, و تسابق في وصف جمالهن افصح الشعراء.

ثانيا: ابيات الشعر المذكورة كانت تضيف للقصص طابع درامي غنائي اخاذ, لكنها للأسف كانت قليلة, بمتوسط بيت او بيتان في كل قصة, اتمنى لو اخذت تلك الأبيات الشعرية حيز اكبر من القصص.

ب- ما لم يعجبني:
الشئ الوحيد الذي لم يعجبني في الكتاب كان ذكر بعض القصص للخلاف السياسي الطائفي على عرش الخلافة في حقبة " الفتنة الكبرى ". كما ذكرت سابقا, لقد تناولت الكتاب للإستمتاع بالقصص الشعبية, عن العشق و الرغبة والثأر و الذكاء, و عن قصص  اقوى فرسان و افصح شعراء العرب. ان اردت ان اقرأ عن اغتيال عثمان بن عفان او قتل على ابن ابي طالب او مكر معاوية كنت سأفتح مجلد للطبري و ليس كتاب للقصص القصيرة.
اظن ان الكاتب محمد المنسي قنديل كان بأمكانه ان يستبدل تلك القصص السياسية بقصص اجتماعية اكثر متعة.
لكن ربما رأى هو تلك القصص ضرورية لوصف حالة الإحتقان السياسي والإجتماعي الذي لازال قائم الى يومنا هذا بين طوائف المسلمين.

اخيرا, الكتاب يستحق القراءة لإمتاعه و سحره, و يمكننا ايضا استشفاف منه بعض الصور العامة عن المجتمع العربي في اول بضع قرون بعد الإسلام. لكنة لا يجب ان يعامل كمرجع تاريخي يوثق حرفيا التركيبة المجتمعية.
لأن الطبيعة القصصية دائما ما تلزم الكتاب على المبالغة و البعد عن الواقع. ولعل هذا ما يميز القصص المثيرة من القصص المملة.