طوبى لمن لم يخدعه وهمه غروره و جشع رغباته وسطحية تأمله فظن ان الحياة هي بعض الأهداف المتتالية، تحقق هدف فتسعى للتالي.
ما الهدف الا جزء من الرحلة، لعلة الجزء الأكثر سعادة واشباعاً للغرور، لهذا تتمحور حول هذا الجزء الصغير من الرحلة حياة الكثيرون.
اما الرحاله، يعلمون جيداً ان ما يُكتسب اثناء الرحلة، اثناء المخاطر و المصاعب، اثناء العقبات و التحديات، اثناء الضياع و الموت .... اقيم بكثير من الهدف و المقصد، فالمقصد مجرد جوهرة تزين التاج.
رحلة تلو الأخرة، هكذا يجب ان تكون الحياة، رحلة الى ذاتك المتغيرة، لرحلة الي كينونتك، الي وعيك، الي احسن ما فيك.
وتختلف الرحلات لكن النمط واحد، تبدأ بالنداء، نداء داخلي يدعوك لترك مسلمات عالمك و الذهاب الي المجهول.
وتبدأ مع الرحلة العقبات و التحديات، تطول الرحلة او تقصر، وتجد نفسك على بعد خطوات من مقصدك، لكن الشرير في انتظارك، مستعداً بكل جوارحه، سيحارب حتى الرمق الأخير ليمنعك من الوصول.
فاما ان يتغلب عليك و تموت، ثم تبدأ من جديد.
او تتغلب علية و تصل، ثم تبدأ رحلة اخرى.
وهذا اسهل ما في الرحلة، مقابلة الشرير، لأنك تعرف و تري طريقك، ربما لا تعرف كيف تتغلب على هذا الوحش القابع امامك، لكنك ستعرف عاجلاً ام اجلاً، سواء بذكائك او بخبراتك، او بالتجربة و الفشل و الموت مرة ... او الف مرة.
اما عن اصعب ما في الرحلة، فهو الضياع ... اه كم اكره الضياع...
بعد رحلة شاقة طويلة، اري ضوء يتلألأ من بعيد، واشعر اني كنت في ليل ورأيت الغسق، اخيراً.
بضع خطوات تفصلني عن النهاية، اخيراً ستنتهي هذه الرحلة، وسأستحق قليلاً من الراحة.
و ما ان اتقدم، حتى اكتشف انة كان سراباً، ويبدو اني اعرف هذا مكان من قبل....
كيف لا و قد زرته في كل رحالتي السابقة، انها ارض الضياع.
اجد طريق صغير قد اكتشفته من قبل و اخرجني من هذا المكان اللعين، اسلكه مسرعاً، فأجد نفسي عدت من الخلف. واعلم حينها انني سأمكث هنا طويلاً.
امسك حجر واضرب به الأرض صارخاً: " كم اكره هذا المكان ".
ابحث بين الأدغال عن المخرج و اغطس في البحيرة بحثاً عن باب لسرداب ... اتسلق التل فاجده يطل على المكان الذي خلفة.
كل محاولاتي تبوء بالفشل.
اشعر اني مكبل، لو كنت متأكد ان طريقي تحت الأرض، لكنت حفرت الصخر بأظافري، لكني اعلم اني حينها سأجد نفسي عائد الى هنا. لا وجود لأي اتجاهات هنا، لا فوق ولا تحت، لا امام ولا خلف.
اجلس مسندا ظهري على جزع شجرة، لم يعد لدي طاقة على البكاء حتى. اريد الصراخ لعل احد يسمعني، لكن احبال صوتي المتهالكة بالكاد تحاول التماسك.
انظر الي السماء الخالية في الأعلى، اين الطيور ؟ اين الطير الذي سيجلب لي رسالة تدلني على الطريق ؟ سمعت عنة الكثير، لماذا لم يزرني ولو مرة ؟
لماذا لم يزرني العجوز الحكيم ذا اللحية البيضاء ويعطيني الخارطة و ترياق الطاقة ؟؟؟
لماذا على دائماً مساعدة نفسي ولا اجد يد العون كالباقين ؟ بالفعل لقد حاول الكثير مساعدتي، لكنهم فشلوا، او استسلموا سريعاً... فكنت اعود واعتمد على نفسي .... ارحلتي بهذه االصعوبة ؟ احظي بهذا السوء ؟
اسمع صوت تمتمة رقيق يقترب، يبدو صوت فتاة تردد كلمات اغنية ... اراها تمر امامي، عاجلة الخطوات، حتى انها لم تلاحظني للوهلة الأولى، ربما لأني تجمدت مكاني فأصبحت جزء من المكان.
يبدو على وجهها معلام الحيرة و القلق، انها تحدث نفسها بكلمات غير مفهومة، ربما تحاول تهدئة نفسها ... حتماً انها ضائعة مثلي.
تنظر بجانبها فتراني و تتجمد للحظات، ثم تلمع عيناها فرحاً، كمن وجد طوق نجاة على مشارف الغرق.
وقبل ان تنطق بكلمة، انفجر باكياً:
" انا ... انا اسف ! لن استطيع مساعدتك، لن استطيع مساعدة اي احد ... لقد ... دائماً ما كنت اساعد من في طريقي، اقسم بحياتي اني لم ابخل يوماً في عون من طلب العون مني ... و من لم يطلب... لكن انا ... لكن الان لا اعرف حتى كيف اساعد نفسي ... اسف ... انا اسف "
تنهال دموعي على الأرض كما تنهال الشلالات على جداول السفح ... كأني لم ابكي يوماً.
تعبس الفتاة فتعود نظرات الخوف و الضياع تسيطر على وجهها، و تهرع راكضه الي الأمام.
اتمتم في نفسي " لم اقصد ان اخيفك لكن ... ".
لقد ضعت كثيراً سابقاً، ولا اعرف ايها كانت اصعب مرة، فكل مرة تكون الأصعب ... ااعود ادراجي من حيث بدأت ؟ الم اعلم ان الرحلة ستكون صعبة حينها ؟ فقط لم اظن انها بهذه الصعوبة ...
ماذا يجب ان افعل عندما يكون الضياع هو الشرير بحد ذاته ؟
ان هذا دائما هو الجزء الصعب ... اصعب ما في الرحلة.